الشاهين الاخباري
من المتوقع أن تصوت “الكنيست” الإسرائيلية خلال ساعات، بالقراءتين الثانية والثالثة، على مشروعي قانونين يهددان مستقبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويتعلق القانون الأول بحظر عمل “الأونروا” في القدس المحتلة، أما الثاني فيشمل سحب الامتيازات والحصانات الممنوحة لموظفي الوكالة الأممية، وإن تمت المصادقة عليها فسيحالان مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية للتنفيذ.
واعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة شؤون اللاجئين، أحمد أبو هولي، في اتصال هاتفي مع وكالة “وفا” أن المصادقة على هذه القوانين يعني إعلان حرب على “الأونروا” لإنهاء دورها، كمقدمة للقضاء على قضية اللاجئين.
وأشار إلى أن تبني إسرائيل القرارات برلماناً وحكومة سيتضمن بادئ الأمر سحب اتفاقية “كوماي مكليمور” الموقعة عام 1967 مع الوكالة الأممية، التي يترتب على تل أبيب بموجبها تسهيل مهام عمل الأونروا وحماية مقراتها وضمان حرية تنقل طواقمها ومنحهم الحصانة التي يتمتعون بها.
وقال: “ذلك يعني سحب امتيازات الأونروا وعدم التعاطي مع المؤسسة وإغلاق مقراتها وسحب تصاريح موظفيها وتجميد حساباتهم المصرفية، بما سيترك أثراً مباشراً في المقام الأول في مركز الوكالة بحي الشيخ جراح في القدس المحتلة، وما تديره من مدارس وعيادات وما تقدمه من خدمات لـ200 ألف لاجئ فلسطيني في المدينة ومحيطها (مخيمي شعفاط وقلنديا وسلوان والزاوية الهندية).
وشدد أبو هولي على أن أثر وسم الاحتلال للأونروا وموظفيها بالإرهاب لن يقتصر على القدس، بل سيتمد على المدى البعيد ليطال ما تقدمه الوكالة من خدمات في 19 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما يهدد مستقبل التعليم والخدمات الصحية والمجتمعية والبنى التحتية، ليضاف ذلك إلى الاستهداف المتعمد لمدارس الوكالة ومقراتها ومراكز الإيواء التابعة لها في قطاع غزة، في ظل حرب الإبادة التي استُشهد فيها حتى الآن 231 موظفاً من كادر المؤسسة الأممية.
وأضاف، أن تطبيق الحكومة الإسرائيلية لقانون “مكافحة الإهاب” المقر عام 2016 سيتيح لها ملاحقة موظفي الأونروا في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، البالغ عددهم 18 ألف موظف، بخلاف ما سيوضع من عراقيل أمام تلقيهم رواتبهم، ما سينعكس بالتالي على تمكنهم من تقديم دورهم الإنساني في تقديم الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية.
وذكر أن الاحتلال يسعى من خلال ذلك إلى إلقاء أعباء 6 ملايين لاجئ فلسطيني على كاهل الدول المضيفة، فلسطين والأردن ولبنان وسوريا، بمعنى أن تتحمل تلك الدول كل المسؤولية عن مجتمع اللاجئين بعد تجريد وكالة الغوث من هذه المهمة، وهذا يعني محاولة توطينهم في أماكن وجودهم، أو دفعهم إلى هجرة جديدة بوضعهم أمام حياة مستحيلة مادياً وخدماتياً.
وضرب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، مثالاً على قطاع غزة، وقال: هناك 300 ألف من الطلبة يتلقون التعليم في مدارس الوكالة، أين سيذهب هؤلاء عندما تتوقف الحرب بينما المدارس مدمرة وليس هناك موازنة للتعليم؟ تستقبل عيادات الأونروا أكثر من 4 ملايين زيارة سنوياً من المرضى وكبار السن والحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة، أين سيذهبون في ظل إغلاق مقرات الأونروا وتدميرها؟ وهناك مليون و400 ألف لاجئ فلسطيني يحصلون على إغاثات غذائية من الأونروا تشكل لدى الكثيرين مصدراً رئيسياً، من أين سيحصلون على قوتهم؟ هذه حرب جديدة عنوانها التجويع والتعطيش والإنهاك وحرب التجهيل.
وأكد أن إسرائيل عندما اتخذت القرار بشن حرب ضد الأونروا وشرعنته في الكنيست، فإنما تستهدف بالأساس مجتمع اللاجئين والشعب الفلسطيني، وهذا له أبعاد أخرى أهمها قانوني، إذ أُنشئت الوكالة بموجب القرار الأممي 302 لعام 1949، وهي تمثل التزاماً دولياً من العالم تجاه عجزه عن تنفيذ القرار 194 الذي يخص حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات.
وقال، إن الأونروا أُسست فقط لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين ببعدها القانوني، إذ إن قرار إنشائها 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة مرتبط بالقرار 194 الذي تبنته الهيئة ذاتها، أي أن الوكالة يجب أن تستمر في عملها إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي متفق عليه للاجئين”.
وحول التقارير التي تشير إلى مساعي إسرائيل إلى دمج صلاحيات وكالة الغوث بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أوضح أبو هولي أن الهيئة الثانية سيفقد بموجبها اللاجئون الفلسطينيون بعد قضيتهم القانوني، وبالتالي تجريدهم من حقوقهم السياسية وحصر قضيتهم في جانب إنساني.
وأوضح: “كل اللاجئين في العالم يمكن أن يعودوا إلى أوطانهم في أي لحظة، لكن بالنسبة إلى الفلسطينيين فإن إسرائيل ترفض عودة أي لاجئ إلى بيته أو بلدته، وبالتالي تريد دمجهم في إطار أممي آخر مسؤول عن 100 مليون في العالم، لجعلهم أرقاماً ليس لهم حقوق قانونية ولا سياسية ولا خدماتية.
وتأسست المفوضية، المعروفة رسمياً باسم مكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1950، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية من أجل مساعدة ملايين الأشخاص الذين خسروا منازلهم.
وتعمل المفوضية في 136 بلداً، وتقدم مساعدات منقذة للحياة، بما في ذلك المأوى والغذاء والمياه والرعاية الطبية، للأشخاص المجبرين على الفرار جراء الصراعات والاضطهاد، حتى يتمكنوا من إعادة بناء حياتهم، وفق إعلانها الوارد على موقعها الإلكتروني.
وفي 22 تموز / يوليو 2024، أقرت لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست في القراءة الأولى ثلاثة مشاريع قوانين: الأول يصنف الأونروا منظمة إرهابية، والثاني: يلغي الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الوكالة وموظفوها، والثالث يحظر الأونروا في “الأراضي السيادية لإسرائيل”.
في 29 أيلول/ سبتمبر 2024، اجتمعت اللجنة ودمجت أول مشروعي قانونيين وخففت حدة المضمون بإلغاء اعتبار الأونروا منظمة إرهابية لتفادي انتقادات الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أقرت لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست مشاريع القوانين المدموجة ومشروع القانون الثالث بالقراءتين الثانية والثالثة.
وحدد رئيس الكنيست موعد عقد جلسة في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2024 للتصويت بالقراءتين الثانية والثالثة (النهائية) على المشاريع المقترحة لتصبح قوانين سارية المفعول.
وفي خطوة استباقية، أعلنت “سلطة أراضي إسرائيل” في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري الاستيلاء على الأرض المقام عليها مقر الأونروا في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، وتحويل الموقع إلى بؤرة استعمارية تضم 1.440 وحدة سكنية قبل التصويت النهائي على مشاريع القوانين من الكنسيت الإسرائيلية.
وتضمنت مشاريع القوانين:
– إلغاء تبادل “رسائل كوماي” لعام 1967 بين الأونروا وإسرائيل، التي بموجبها توافق الأخيرة على تسهيل مهام الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك حماية وأمن موظفي الأونروا ومنشآتها، وحرية حركة مركبات الأونروا وموظفيها عبر إسرائيل وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، والإعفاءات الضريبية.
– إلغاء الامتيازات والحصانات الممنوحة للأونروا (موظفين، ومقرات ومنشآت).
– قطع أي اتصال بالأونروا أو نيابة عنها.
– منع الأونروا من تشغيل أي تمثيل أو خدمات أو أنشطة في الأراضي السيادية لإسرائيل.
– اتخاذ إجراءات عقابية ضد موظفي الأونروا، بما في ذلك فيما يتعلق بأحداث 7 أكتوبر 2023، أو حرب “السيوف الحديدية”، أو أي إجراءات عقابية أخرى بموجب قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي لعام 2016.
وبعد التصويت النهائي على مشاريع القوانين ستتعرض الأونروا لإجراءات عملية تنفيذية على الأرض من حكومة الاحتلال الإسرائيلي يتمثل أبرزها في:
– منع الوكالة من العمل في إسرائيل ومدينة القدس المحتلة، والإيعاز إلى شرطة الاحتلال بالعمل على تنفيذ الحظر عبر إغلاق مكاتب الوكالة ومدارسها في القدس وأحيائها.
– وضع قرار إخلاء الأونروا من الأراضي التابعة لسلطة أراضي إسرائيل وإلغاء عقود التأجير في حي الشيخ جراح وكفر عقب ومخيم شعفاط للاجئين الوحيد في القدس الشرقية، ما ستترتب عليه تداعيات خطيرة تطال 110 آلاف لاجئ فلسطيني في القدس، كما تطال مدارس وعيادات ومراكز الإغاثة التابعة للأونروا.
– سيوضع قرار وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريش، حيز التنفيذ بإلغاء المزايا الضريبية التي تحصل عليها الأونروا باعتبارها وكالة تابعة للأمم المتحدة وقطع الاتصال مع البنوك الإسرائيلية، وهذا سيضع الأونروا في وضع مالي حرج، إذ ستجد صعوبة في تحويل أموال المانحين وصرف رواتب موظفيها مستقبلاً.
– ستعطي القوانين الضوء الأخضر لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس كما هو معمول في قطاع غزة إلى استهداف منشآت الأونروا خلال عمليات الاجتياح للمخيمات الفلسطينية، وإطلاق العنان لقطعان المستعمرين للاعتداء على منشآت الأونروا وموظفيها، كون القرار يرفع الحصانة الدبلوماسية عنهم.
ومن منظور قانوني وأممي، فإن مشروعي القانونين في حال تمريرهما بالقراءة النهائية سيمثل سابقة خطيرة، وتعدياً على الأمم المتحدة ووكالاتها وميثاقها (بما في ذلك المادتان (2) و(105)، واعتداءً على الأعراف والاتفاقيات الدولية وعلى الأخص اتفاقية جنيف الرابعة، وانتهاكاً لقرارات الجمعية العامة ذات الصلة بحصانات وحماية المنظمات الدولية بما فيها قرار تأسيس الأونروا رقم 302 وفق المادة (17)، ولاتفاقية 1946 بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة.
كما أن القوانين تُعتبر انتهاكا واضحا وعلنيا لقرار مجلس الأمن رقم 2730 الصادر بتاريخ 24 أيار/ مايو 2024، الذي يلزم إسرائيل احترام وحماية المؤسسات الأممية وحماية العاملين في المجال الإنساني.
وتتعارض القوانين مع قرار محكمة العدل الدولية وفتواه القانونية الصادرين في تاريخ 19 تموز/ يوليو 2024 اللذين أكدا أنه لا سيادة لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، وهي جزء من مناطق عمليات الأونروا.
وفا- رامي سمارة